عوائق التعلم
1 مفهوم العائق
العائق لغة هو الحاجز أو العقبة والمانع والحائل، وفلسفيا هو كل متغير
يؤدي إلى تراجع المعرفة وعدم حصول تقدمها. إن العوائق الإبستمولوجية،
بحسب باشلار، هي صيغة للتعبير عن مشكلة المعرفة العلمية في حالات معينة هي حالات
تَعَطُّلها أو نكوصها أو توقفها، وهذه الصيغة ليست خارجة عن العلم، بل هي داخلية،
إذ إن العائق مكون من مكونات المعرفة العلمية ومنبثق من صميمها (وقيدي).
وتربويا، يراد بالعائق كل ما يساهم في التعثر، ويحول
دون الوصول إلى الهدف لتحقيق الغايات وتوفير أسباب النجاح. إن العائق مقاومة،
وفقدان للتوازن وتصدع (إدريس يومنيش)، وهو حسب Legendre.P، صعوبة يصادفها المتعلم
خلال مساره التعلمي، وللعائق البيداغوجي مظهران:
- مظهر إيجابي: عندما يتخذ صيغة تحدّ أو عدم توازن
بسيط مثير ونافع وضروري، لأنه يساعد المتعلم على تحقيق تعلمه. لذا يتوجب على
المدرس أن ينتقي الصعوبات بطريقة تتيح للمتعلم أن يعاملها كتحديات ينبغي تجاوزها،
مما يجعله يبذل جهودا إيجابية لإبداع الحلول المناسبة. فالسيكولوجية المعاصرة
تعتبر العائق البيداغوجي عامل تحفيز يمكن أن يساعد على إحداث
تغير دماغي ونفسي لدى الفرد ويؤدي به إلى إحداث طفرات وتخطي الحواجز. وذلك بتجاوز
الأوهام والتخوفات.
- مظهر سلبي: عندما يدرك من طرف المتعلم كحاجز،
أي كصعوبة يمكنها أن تعطل أو تحد من وتيرته. مما يؤدي إلى اللامبالاة أو الفشل
المتكرر أو اضطرابات في التعلم. وينظر ابستمولوجيا إلى العائق على
أنه حاجز أو وضعية مشكلة تقف أمام الاستفادة من عملية التعلم، مما يتسبب تربويا في
التعثر الدراسي.
2 أنواع عوائق التعلم
يمكن أن نميز بين أنواع كثيرة من العوائق نقترح منها
ما يلي:
أ- العوائق السيكولوجية:
تسمى كذلك بالعوائق العضوية والنمائية أو
السيكوعضوية. وتظهر على المستويات العقلية والوجدانية العاطفية والنفسية الحركية.
ومن المؤشرات الدالة عليها صعوبة الاستدلال والتعميم والبرهنة والحجاج. وكذلك
الفشل في القيام ببعض المهارات العقلية والاستراتيجيات المعرفية. وتعزى هذه العوائق إلى
اضطراب أو خلل في وظيفة الدماغ أو الجهاز العصبي، أو إلى تأخر في النمو العقلي
للطفل. كما يتمظهر هذا النوع من العوائق في تمثلات المتعلم للمعرفة والدرس؛ فقد
يتعثر تلعمه بسبب مواقفه السلبية من المدرسة أو المادة الدراسية أو معاملة المدرس
له، كأن يقمعه أو يشهر به أو يرفض مشاركته لكونه يخطيء الإجابة كثيرا، أو لا
يستطيع أن يجيد التعبير شفويا أو كتابيا.
ب- العوائق الاجتماعية والإيديولوجية
تتكون هذه العوائق من التمثلات الاجتماعية والثقافية
والسياسية. ذلك أن تنشئة الفرد على قيم محددة أو اكتسابه لثقافة معينة أو تشبعه
بإيديولوجية ما، كلها عوامل تساعد على تعلمه إذا كانت متلائمة مع المعرفة العلمية
والمدرسية، وتعرقل تعلمه إذا كانت غير متلائمة. وكلنا نتذكر ما أحدثته العوائق الاجتماعية
في العصر الوسيط من إعاقات معرفية لكروية الأرض ودورانها لدرجة
إعدام صاحب النظرية (كوبرنيك). كما نعرف أن بعض المتعلمين لا يفهمون الدرس لأنهم
يرون فيه ما يتعارض مع قناعاتهم العقدية أو السياسية.
ج- العوائق البيداغوجية الديداكتيكية
تنتج هذه العوائق عن غموض في الوسائل الديداكتيكية.
الشيء الذي يؤدي إلى غموض في المفاهيم وطرائق التدريس والمحتويات والوسائل
التعليمية والتقويم. وليس العائقالبيداغوجي نقصا في المعرفة،
بل إنه عبارة عن معارف خاطئة أو غير مكتملة، إنه معرفة تتألف من موضوعات وعلاقات
وطرائق وتوقعات، وبديهيات ونتائج تم نسيانها وتشعبات غير متوقعة إنه أمام أي
إقصاء Brousseau.G. ويمكن أن
ينتج العائق البيداغوجي، باعتباره حاجزا يحول بين التلميذ وبين
امتلاكه لبعض المفاهيم والتصورات، عن أسباب عديدة منها:
- أسباب تكوينية ديداكتيكية: ترتبط بتبني
مشروع تربوي معين، أو باختيار بيداغوجي محدد كأن يتبع المدرس مقاربة بيداغوجية لا
تلائم المتعلم، أي تتجاهل المعارف التي اكتسبها سابقا، مما يجعلها مصدرا للاستلاب
فيتحول المتعلم إلى مجرد تابع يفتقر إلى المبادرة.
- أسباب إبستمولوجية: حيث أن للعائق البيداغوجي
ذي الأصل الابستمولوجي دورا في تكوُّن المعارف، ومن تم فهو عائق يصعب التخلص منه.
ونظرا إلى علاقة العوائق بالتمثلات والإخطاء، فإننا ننتقل إلى العوائق
الإبستمولوجية على أساس تفصيل الحديث عن العوائق البيداغوجية
أثناء دراسة الأخطاء.
د- العوائق الابستمولوجية
يندرج حديث باشلار عن العوائق الإبستمولوجية ضمن حديثه عن تكوين الفكر
العلمي الذي خصص له مؤلفا. وفي هذا السياق، نجده يقسم تاريخ العلوم إلى ثلاث مراحل
هي:
- المرحلة ما قبل العلمية: امتدت إلى
القرن الثامن عشر. وخلالها كانت المعرفة الشائعة أو العامية هي السائدة.
- مرحلة الفكر العلمي: امتدت من
نهاية القرن عشر إلى 1905، وخلالها بدات العلوم تحقق استقلالا واضحا عن الفلسفة
وتضع مناهجها وتحدد مواضيعها.
- مرحلة الفكر العلمي الجديد: بدات هذه
المرحلة منذ 1905، وهو تاريخ ظهور نسبية إينشتاين الذي انتقد مفاهيم كان يُعتقد
أنها ثابتة ومطلقة مثل فيزياء نيوتن التي كانت تقول بالزمان المطلق والمكان المطلق
والكتلة الثابتة. وبما أنها عجزت عن تفسير بعض الظواهر كحركة عطارد، فإن باشلار
قال بوجود قطيعة بين هذه المنظومة النيوتونية ومنظومة اينشتاين التي ترى أن الزمان
والمكان والكتلة نسبية. ويميز باشلار في كتابه تكوين الفكر العلمي بين العوائقالابستمولوجية
التالية:
·
عائق التجربة
الأولى (L'obstacle de l'expérience première): إن
التجربة الأولى ضرورية في المنهج العلمي. كما أنها ضرورية في بنلء الكفايات
واكتسابها، ولكنها تتضمن أحيانا بعض العوائق التي تجعل الفرد أو المتعلم غير قادر
على إدراك الحقيقة. مثال ذلك حركة الشمس الظاهرة التي تعيق تعلم دوران
الأرض. إن المعرفة العلمية تستثمر هذه التجربة الأولى وتعمل على عقلنتها ووضعها في
الشكل المناسب. ويربط باشلار بين عائق التجربة الأولى والتحليل النفسي، وخصوصا
مفهوم اللاشعور عند فرويد ويونغ، إذ أن المتعلم يتعامل لأول مرة داخل المدرسة مع
مفاهيم جديدة، لكن ليس بكيفية بريئة، بل من خلال مواقفه الخاصة ورأسماله المعرفي
السابق. وينبغي، في هذه الحالة، توجيه المتعلم إلى تنمية هذا الرصيد وتقريبه من
الحقيقة العلمية وتوجيهه إلى تغيير نظرته إلى الواقع وبناء خطاطة جديدة مغايرة
تماما لما اكتسبه من تجاربه الأولى وقناعاته السابقة.
·
عائق التعميم (L'obstacle de la connaissance générale): إن
التعميم تعبير عن مستوى راق من مستويات النمو الذهني؛ وبالتالي فهو إيجابي وضروري
لبناء المعرفة العلمية إذا كان تعميما صادرا من وعي وثقافة علمية. فقولنا بأن
الأجسام كلها تسقط في الفراغ بنفس السرعة، تعميم علمي مبني على خطوات محمكمة، أما
قولنا بأن الأجسام كلها تسقط، فهو قول تعميمي غير علمي لانه لا يستجيب لضرورة
علمية بقدر ما يستجيب لمتعة عقلية (Bachelard G).
·
العائق اللفظي (L'obstacle verbal): هو العائق المتمثل
في اختزال الشروح والتفاسير في لفظة أو جملة أو صورة واحدة. أمثلة: تعمل الكلية
كمصفاة، ويعمل القلب كمضخة، وتعمل المعدة كماكينة أو طاحونة.
·
عائق المعرفة
التوحيدية البرغماتية (L'obstacle de la
connaissance unitaire et pragmatique): ينتج
عن النظرة التعميمية للكون والرجوع إلى مبدإ أو وحدة الطبيعة مثال: الحشرات تعيش
في أماكن باردة، تمتاز بدم يقاوم البرد المفرط. ويكون هذا العائق براغماتيا
إذا كان ناتجا عن عملية بحث عن المنفعة الخاصة، وليس المصلحة الإيجابية مثال: بعد
سقوط البرد، تصبح الأرض خصبة وتخضر، وقد لوحظ أنه بعد سقوط البرد ترتفع مردودية
القمح المزروع.
·
العائق
الجوهري (L'obstacle substantialiste): إنه عائق متعدد
الأشكال والوجوه كباقي العوائق. يتكون من الحدس وبعض الانطباعات المتفرقة
والسطحية (Bachelard) مثال: الصوف ساخن،
الرخام بارد، الثوب الأبيض شاخن والثوب الأسود بارد.
·
العائق
الإحيائي (L'obstacle animiste): يتمثل
بحسب باسلار، في تعميم معارف بيولوجية أو إضفاء الصفة الإحيائية أو صفة الحياة على
بعض الكائنات. وقد لاحظ بياجي أن الطفل في المراحل قبل المنطقية يضفي الحياة على
الجبل أو المطر أو السيارة. مثال: الصدأ مرض يتعرض له الحديد فيفقد المغناطيس بذلك
خاصيته المغناطيسية، وقد يسترجع قواه بإزالة هذا الصدإ (Bachelard).
نقلا عن الدكتور العربي السليماني ، كتاب المعين في التربية، لتحميل الكتاب: PDF
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
جزاكم الله خيرا
ردحذف